الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الهوية السورية وتفريغ تركيبتها الاجتماعية 

الهوية السورية وتفريغ تركيبتها الاجتماعية 

10.07.2021
نزار السهلي


القدس العربي 
الخميس 8/7/2021 
الحديث عن الهوية السورية أو الكيانية المجتمعية للسوريين، لا تشكل اكتشافا جديدا، وإنما التركيز عليها بغرض استيعاب العبرة منها، بما يخص بنية المجتمع السوري الذي تعرض لخسارة كبيرة، بعد تجربة السوريين النضالية ضد نظام القمع والاستبداد والقتل طيلة خمسة عقود، وفي أجواء انحسار الثورة السورية بعد أن اصابها ما أصابها من النظام والأشقاء والأعداء على حد سواء، تردد في السنوات الماضية الحديث المستفيض عن العملية السياسية التي تفضي لحل معضلة السوريين مع هكذا نظام، ومن جملة ما تردد طرحه في الأشهر والأسابيع الأخيرة أسئلة متعلقة بالظروف الإنسانية والمعيشية لحياة ملايين المهجرين من مدنهم وقراهم داخل وخارج سوريا، مع سؤال عن مدى إمكانية تمديد العمل في المعابر الإنسانية التي تهدد موسكو بوقف العمل بها ؟ 
أجواء الحاضر السياسي 
ليس من المستغرب أن يطرح مثل هذا السؤال مجدداً، و في أجواء الحاضر السياسي، مقترحات وحلول مقطوعة الصلة عن السؤال عن الماضي القريب لتطلعات المجتمع السوري، وعن ما أقر في جنيف الأول والثاني، والقرارات التي أحبط العمل بها بدعم قوتي الاحتلال الروسي والإيراني، بما يخص العملية السياسية وفق القرار 2254، كقاعدة بناء ومنطلق لحل سوري- سوري، لكن التحركات السياسية والعسكرية لكل من نظام الأسد وموسكو وطهران، وغير ذلك من إيماءات وتلميحات تعويم الأسد عربياً واقليمياً، مع بالونات اختبار تطوف في سماء سوريا والمنطقة، منذ أستانا 1 إلى مؤتمر روما الأخير، والحديث عن اللاجئين وإعادة الإعمار والمواضيع الإنسانية، تدل أنه لا قناعة لدى الأطراف الدولية والإقليمية، لدعم السوريين للتخلص من النظام والتطلع لحقوق وحرية المجتمع السوري القائمة على المواطنة والكرامة الإنسانية. 
ومن محصلة تجربة السوريين الميدانية غير المتواضعة، والسياسية المبنية على ايمان راسخ أن نظام الأسد، المدعوم من قوى احتلال مباشر على الأرض، لن يقبل تحت أي ظرف من ظروف الضغط السياسي الذي جُرب ظاهرياً في المحافل الدولية، أن يتنازل عن ما حققه على صعيد تدمير بنية السوريين الاجتماعية، والتي أظهرت نقيضاً فاضحاً لكل إدعاءات النظام الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية والأخلاقية، والتي أصبح الشعب السوري بفضلها الشاهد على هذا التناقض، وعلى الجرائم التي خلفها نظام الأسد بحق البشر والحجر والحواضر السورية. 
ركائز وغرائز النظام 
لم تكتف غريزة الانتقام من المجتمع السوري لدى نظام الأسد وحلفائه، بقتل مئات الآلاف وتشريد نصف السكان، إذ باتت ركيزة تراثية لاستئناف الحكم الأسدي في سوريا، على اعتبار أن كل جريمة أحدثها الأسد الأب باتت شرعية لاستمرار السلالة الحاكمة، وليس في قاموس النظام نهاية للمبررات التي لا تحصى عن وحشيته، وجرائم الأسد بحق المجتمع السوري تطبيق ” جيد” لتراث النظام الرديء، وهذه النقطة تشكل صخرة صماء وعقدة مستعصية الحل أمام الذين يدافعون عن جرائمه. 
ضرب الهوية المجتمعية 
أدى التجريف الواسع للبنية المجتمعية للسوريين، في المدينة والقرية في جهات سوريا الأربع، لإحداث تأثير على بقية الجسد السوري الممسك به مخلب النظام الأمني، فاقتلاع السوريين وبعثرتهم في أرجاء المعمورة، بعثرة لروايتهم وتشتيت للهوية، التي شكلت في وحدتها الديمغرافية تحديد الإشارة نحو النظام المستبد قبل الثورة والقاتل أثناءها، في البعثرة الناشئة لتقسيم المجتمع السوري بين أخيار الداخل وأشرار الشمال والجنوب والخارج، وفرز “تجانس مفيد” يخدم سيطرة النظام، كضرورة لنفخ ثقافة، نجم عنها إضعاف الهوية المحلية للسوريين، وساهم بضربها الاحتلال الروسي -الإيراني المتغلغل بالجغرافية السورية، وبعمليات التغيير الديمغرافي على الأرض، كانت المؤشر الحاسم لسياسات ما بعد النيل من السوريين إعادة تشكيل هوية جغرافية وديمغرافية جديدتين. 
الأسدية نقيض الهوية 
لربما من المثير الحديث عن وضع التشكيل المجتمعي للسوريين، بالطريقة التي رتبت على دموية غير مسبوقة، وتهجير وقتل وتحطيم معظم الحواضر التي حضنت هذا المكون الاجتماعي- الاقتصادي على مدار قرون طويلة، بخصائص مختلفة نسبية عن تلك التي حاول النظام على مدار خمسة عقود النيل منها أيضاً بتصنيفات عنصرية وحاطة من قيمة وقدر تلك الهوية والتركيبة المجتمعية، التي اُلصق كل منطقة بنعت “مناسب” لها عن الأدالبة والرقاوية، الشوايا والدرعاوية، والحماصنة والحموية، وبات لكل منطقة وحي تتبع لهذه المناطق، تصنيفات ليست عنصرية وحسب وتشير للسخرية والاستهزاء، بل وتخوينيه، امتدت عقود حكم الأسد وسلالته، وشملت مناطق الشمال والجنوب والوسط من المحافظات السورية، لتكون صفوة المجتمع هي الساحلية، وبتحديد أدق منطقة السلطة الحاكمة، بالمعنى النفسي، تحقق الفرز حتى حانت الفرصة للنظام بالانتقام من هذه التشكيلة دفعة واحدة بضرب التركيبة المجتمعية لتفريغ هويتها، فليس عبثاً اختيار الشمال السوري أو الجنوب مكاناً لتجميع الخارجين عن طاعة النظام، بل لتأكيد أن هوية تلك المناطق ستبقى في مرتبة “الانحطاط” في عقل وسلوك النظام القائم، وإذا اختصرنا إعادة التشكيل التي ينبغي إحداثها حسب سياسة النظام، فإنها تعود للمربع الأول بالنسبة للقضية محل اهتمام السوريين الذي تمخض عنها ثورة، فإعادة تشكيل الهوية السورية على أسس مناطقية وعنصرية وطائفية قادهم بالأساس للثورة، وأينما تنقل أهل حمص وحماة، أو درعا مع الشوايا والأدالبة و الحموية والديارنة والدوامنة وكل سوري، فإن هويته لن تعود مجدداً بتلك التسميات مع استمرار حكم الأسد، الذي توهم بمقدرته على طمس كل سوريا وانتصر عليها للأبد بالمذابح. 
أخيراً، بناء هوية سورية جديدة وكيانية سورية خالصة، منزوعة من الأسدية، هي التي تؤسس مستقبل وكيان سوري بعقد اجتماعي جديد، ودون ذلك من رتقٍ ورقعٍ في “قربة الأسد” المخرومة من كافة جوانبها تبقى الهوية السورية مهددة بتاريخها وإرثها بوجود الأسدية.